من الحظر للتحقق التقني.. مساعٍ في السويد لحماية الأطفال من مخاطر الإنترنت

من الحظر للتحقق التقني.. مساعٍ في السويد لحماية الأطفال من مخاطر الإنترنت
حماية الأطفال من مخاطر الإنترنت

في السويد، حيث تطرح مسألة المساواة وحقوق الطفل ضمن أولويات سياسية واجتماعية، أثارت وزيرة المساواة نينا لارشون مسألة فرض قيود تقنية على وصول الأطفال إلى المواقع الإباحية، مؤكّدة بأنه فعل كل ما يجب لضمان ألا يصادف الأطفال هذا النوع من المواد على الإنترنت.

وجاءت هذه الدعوة في سياق تحقيق حكومي أوسع يدرس حدوداً عمرية لاستخدام وسائل التواصل الاجتماعي، لكن الوزيرة شدّدت على أن نطاق الدراسة يجب أن يشمل أيضاً المواقع الإباحية التي باتت متاحة بسهول على الأجهزة الذكية وتقطن واقعاً رقمياً متعدّد المصادر.

تأتي هذه المبادرة وفق تقرير نشرته شبكة "الكومبس" اليوم الاثنين، على ضوء دراسة أجراها مكتب أمين المظالم المعني بالأطفال في السويد، والتي أظهرت أن متوسط عمر الأطفال عندما يبحثون عن محتوى إباحي لأول مرة هو نحو 13 عاماً، أما الوزيرة فتؤكد أن كثيرين يتعرّضون لهذا المحتوى في أعمار أصغر.

وفي هذا الإطار، تواجه السلطات تساؤلات حول قدرة التشريعات الحالية على مواكبة البيئة الرقمية التي تتيح وصولاً فورياً، وأمام ذلك يبدو أن الوقف عند الصلاحيات التقليدية لم يعد مجدياً، ما دفع إلى البحث في حلول تقنية مثل التحقق من العمر أو حجب بعض المواقع.

التداعيات الإنسانية والمجتمعية

ما تسعى إليه الدعوة لا يقتصر على جانب تشريعي أو تقني، بل يتصل بالبعد الإنسانـي فعندما يصل طفل أو مراهق إلى محتوى جنسي عنيف أو غير ملائم دون إعداد معرفي أو إشراف، فإن الأمر لا يظل تجربة فردية بل يحمل تداعيات نفسية واجتماعية، وتحذّر الوزيرة من أن بعض الأطفال قد يعتقدون أن العنف في العلاقات الجنسية أمر طبيعي أو مقبول، وهو ما يشّكل تهديداً لنموّهم النفسي ولصورة العلاقة بين الأجيال وحقوق الإنسان.

من جهة أخرى، إن فرض قيود تقنية مثل التحقق من العمر أو الحجب يمكن أن يُسهم في حماية الأطفال، لكنه يطرح كذلك أسئلة حول الخصوصية، وسلطات الدولة في الفضاء الرقمي، وخطر التوسع في رقابة غير مبرّرة، وهذا التضاد بين حماية الطفل وحرية التعبير في الإنترنت يمثل تحدياً يواجه السويد البلد الذي طالما اعتُبر من الدول المتقدمة في حرية الإنترنت والمعلومات.

علاوةً على ذلك، ترتبط هذه المبادرة بسياق أوسع لتنشئة جيل قادر على تمييز المحتوى والمخاطر، وليس فقط بمنعه، ما يُحيل إلى ضرورة تضمين التعليم الرقمي والتوعية الجنسية والثقافية ضمن الاستراتيجية الوطنية للحماية.

الإطار القانوني الدولي والمقارن

من منظور قانوني دولي، فإن الدعوة السويدية تتماشى مع التوجّه الأوروبي نحو رقابة فعّالة على المحتوى الجنسي الذي يصل إلى القاصرين، فقد أطلقت المفوضية الأوروبية مخططاً موحّداً للسنّ في إطار تنفيذ قانون الخدمات الرقمية (DSA)، يتيح طرقاً تقنية للتحقق من عمر المستخدمين دون تسليم بيانات إضافية عنهم.

أما في السويد فالقوانين القائمة تتضمّن قانون البثّ الإذاعي والتلفزيوني الذي ينصّ بأن مزودي منصات الفيديو يلتزمون بتدابير مناسبة كي لا تعرض مقاطع تحتوي صوراً مفصّلة عن العنف أو الإباحية للأطفال، لكنها لا تغطّي بشكل واضح جميع المواقع الإباحية على الإنترنت. 

وعلى الصعيد الوطني، أُقرّ في يونيو 2025 مشروع قانون في البرلمان السويدي ينص على تجريم شراء المواد الجنسية عبر الإنترنت، ما يعكس تحوّلاً تشريعياً نحو تنظيم المنتج والمستهلك عبر المنصات الرقمية. 

ردود الأفعال والمواقف

من جانب منظمات حقوق الطفل والنشطاء النسويين في السويد، هناك دعم للدعوة إلى فرض قيود تقنية، فقد اعتبر تقرير صدر عن منظمة نساء السويد أن السويد متخلفة عن الدول الإسكندنافية الأخرى في تشريعيات رقابة المحتوى العنيف أو العمر التقني للمواقع الإباحية، لافتين إلى أنه اليوم غالباً لا يتم التعامل مع الواقع الرقمي الذي يحتوي على مشاهد عنيفة أو استغلالية للأطفال. 

من جهة أخرى، يرى بعض المدافعين عن حرية الإنترنت أن أي تشريع أو تقنية تحقق يجب أن تراعي الخصوصية وحرية التعبير، وإلا فإنها قد تفتح الباب أمام رقابة موسّعة أو فرضات تقنية مبسّطة لكنها غير فعّالة، أما المعنيون بصحة المراهقين فيشيرون إلى أن التوعية والتعليم هما المكملان الضروريان لأي حالة حجب أو تحقق تقني، لأن فرضاً تقنياً وحيداً لن يحل المشكلة الكامنة.

وخلص تقرير نُشر تحت عنوان "هل تلبي التشريعات السويدية والسياسات الصحية مشكلة وصول الأطفال إلى الإباحية؟" إلى أن التشريعات الحالية غير كافية في مواجهة التوفر الواسع للمحتوى الرقمي

إحصاءات ومعطيات حديثة

بحسب تقرير لـ مؤسسة (The Reward Foundation) في السويد، أُشير إلى أن نحو 22.4% من الأولاد يشاهدون الإباحية يومياً، وأن 15% أعلنوا أنهم يشاهدون أكثر مما يرغبون. 

إضافةً إلى ذلك، تشير بيانات رسمية إلى أن 72% من الرجال في السويد يشاهدون مواد إباحية، في حين قال 68% من النساء إنهن لا يفعلن ذلك إطلاقاً، ما يبرز فجوة في سلوكيات التعرض للمحتوى.

تثير المبادرة السويدية العديد من الأسئلة المحورية.. إذ كيف يمكن للدولة أن تحمي الأطفال من مخاطرات رقمية وجنسية بسرعة فائقة، وفي الوقت ذاته أن تضمن حقوق البالغين وخصوصيتهم؟ وهل يكفي فرض تقنية تحقق أو حظر جزئي إذا لم يُرافقه تعليم شامل وتثقيف جنسي يقظ؟

من الواضح أن الدعوة لا تنطلق من منع الإباحية بوصفها ذاتاً، بل من المخاطرة المتزايدة بأن تمسّ الطفولة والعلاقات بين الأجيال، فبحسب الوزيرة، إنّ تأخر البالغين في الالتفات إلى أن بعضهم يصادف مواد تتضمن عنفاً جنسياً يمثل تهديداً لتصور الشباب عن العلاقات الآمنة، وفي هذا السياق تبدو التقنية وسيلة وليست غاية، وسيلة لتأخير التعرض حتى يصبح الطفل أو المراهق قادراً على فهم ومواجهة ما يصادفه.

لكن التقنية وحدها غير كافية، فإذا ظلت مواقع إلكترونية خارج نطاق التحقق والمراقبة، فإن الأطفال قد يجدون منفذاً عبر الهواتف أو التطبيقات الأجنبية، وهنا يتضح أن حماية الجيل الأصغر تتطلّب مقاربة متعددة الأبعاد تجمع بين التشريع، التقنية، التعليم، والدعم الأسري والمجتمعي.

يُذكّر هذا المسعى بأن حماية الأطفال في العصر الرقمي تتطلب فهماً عميقاً للتكنولوجيا، فالقيود التقنية ليست عقاباً بل وقاية، وليست تقييداً للحرية بل إمكانية لتوسيعها حين تتحدّ معها المعرفة، وإنّ التصدي لوصول الأطفال إلى الإباحية ليس ضد البالغين أو حرية التعبير، بل في صالح المجتمع.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية